غزة ماذا بعد الجيش الإسرائيلي يسحب الفرقة 36 التي تضم لواء غولاني من غزة
غزة ماذا بعد؟ قراءة في سحب الجيش الإسرائيلي للفرقة 36 التي تضم لواء غولاني من غزة
رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=JpnzjA9t8u4
يثير الإعلان عن سحب الجيش الإسرائيلي للفرقة 36، والتي تضم لواء غولاني الشهير، من قطاع غزة، تساؤلات حاسمة حول مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومآلات الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر. هذا الانسحاب، الذي وصفته بعض التحليلات بأنه تكتيكي، يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، تتراوح بين هدنة مؤقتة، ومرحلة جديدة من الاشتباكات المنخفضة الحدة، وصولاً إلى تسوية سياسية طويلة الأمد. إلا أن الواقع على الأرض، وتراكمات الماضي، تشير إلى تعقيدات جمة، تجعل التنبؤ بالمستقبل مهمة صعبة.
لفهم دلالات هذا الانسحاب، لابد من وضعه في سياقه الأوسع. فالعملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، والتي أطلق عليها اسم السيوف الحديدية، استهدفت – بحسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية – تدمير قدرات حركة حماس العسكرية، وإعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع. وعلى الرغم من مرور أشهر طويلة على بدء العملية، إلا أن هذه الأهداف لم تتحقق بشكل كامل. ففي حين تمكن الجيش الإسرائيلي من إلحاق خسائر فادحة بالبنية التحتية لحماس، وتدمير جزء كبير من شبكة الأنفاق التي تستخدمها الحركة، إلا أن قدرة حماس على شن هجمات صاروخية، وتنفيذ عمليات مقاومة، لا تزال قائمة.
من ناحية أخرى، تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية ومادية كبيرة خلال العملية، خاصة في المعارك الضارية التي دارت في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان. كما أدت العملية إلى تدمير واسع النطاق في غزة، ونزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين، وتدهور الأوضاع الإنسانية إلى مستويات كارثية. هذه التطورات أثارت انتقادات دولية واسعة النطاق، وضغوطاً متزايدة على إسرائيل لوقف إطلاق النار، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى سحب الفرقة 36 من غزة على أنه محاولة إسرائيلية لعدة أمور: أولاً، تخفيف الضغط الدولي المتزايد على إسرائيل. ثانياً، إعادة تقييم استراتيجية الجيش الإسرائيلي في غزة، والانتقال إلى مرحلة جديدة من العمليات العسكرية، قد تكون أقل كثافة وأكثر تركيزاً على استهداف قيادات حماس، وتدمير ما تبقى من البنية التحتية للحركة. ثالثاً، إعطاء فرصة للمفاوضات غير المباشرة الجارية بين إسرائيل وحماس، بوساطة مصرية وقطرية، للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى.
إلا أن هذه المحاولة تنطوي على مخاطر كبيرة. فمن جهة، قد يفسرها البعض على أنها ضعف من جانب إسرائيل، وتشجع حماس على التمسك بمواقفها المتشددة، وتأخير التوصل إلى اتفاق. ومن جهة أخرى، قد يؤدي الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية إلى فراغ أمني في بعض المناطق، مما يسمح لحماس بإعادة تنظيم صفوفها، واستعادة سيطرتها على الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، يظل السؤال المطروح هو: ماذا بعد الانسحاب؟ هل ستعود إسرائيل إلى غزة في أي وقت؟ وما هي الشروط التي ستحدد عودتها؟ هذه الأسئلة تطرح تحديات كبيرة أمام إسرائيل، وأمام المجتمع الدولي، في إيجاد حل مستدام للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
إن مستقبل غزة يتوقف على عدة عوامل رئيسية. أولاً، على قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى. ثانياً، على استعداد إسرائيل لرفع الحصار المفروض على غزة، والسماح بإعادة إعمار القطاع، وتحسين الأوضاع الإنسانية. ثالثاً، على قدرة السلطة الفلسطينية على استعادة سيطرتها على غزة، وإعادة توحيد الضفة الغربية والقطاع تحت قيادة واحدة. رابعاً، على استعداد المجتمع الدولي لتقديم الدعم المالي والسياسي اللازم لتحقيق هذه الأهداف.
إلا أن هذه العوامل تتأثر أيضاً بعوامل إقليمية ودولية أوسع. فالصراع في سوريا، والأزمة في لبنان، والتوترات بين إيران وإسرائيل، كلها عوامل قد تؤثر على الوضع في غزة، وتعيق جهود السلام. كما أن الانقسام السياسي في إسرائيل، وتزايد نفوذ اليمين المتطرف، قد يجعل من الصعب على الحكومة الإسرائيلية اتخاذ قرارات جريئة، والتنازل عن بعض المطالب.
بالنظر إلى هذه التعقيدات، يبدو أن مستقبل غزة لا يزال مجهولاً. ففي حين أن الانسحاب الإسرائيلي قد يفتح الباب أمام فرصة جديدة للسلام، إلا أن المخاطر لا تزال قائمة، وقد تؤدي إلى جولة جديدة من العنف. لذلك، من الضروري أن يتحلى جميع الأطراف المعنية بالمسؤولية، وأن يبذلوا قصارى جهدهم للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم، يضمن أمن واستقرار المنطقة بأكملها.
من الجدير بالذكر أن سحب لواء غولاني بالتحديد يحمل رمزية خاصة. هذا اللواء يعتبر من أبرز وأعرق الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي، وله تاريخ طويل في العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين. انسحابه، بعد تكبده خسائر كبيرة في غزة، قد يمثل اعترافاً ضمنياً بصعوبة تحقيق النصر العسكري الكامل على حماس، وضرورة البحث عن حلول أخرى.
في الختام، يبقى السؤال: هل سيؤدي سحب الفرقة 36 إلى تغيير حقيقي في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ أم أنه مجرد تغيير تكتيكي لن يغير من الواقع المرير في غزة؟ الإجابة على هذا السؤال ستتضح في الأشهر القادمة، وستعتمد على قدرة الأطراف المعنية على استغلال هذه الفرصة، والعمل بجدية من أجل تحقيق السلام.
التحليل أعلاه يأخذ في الاعتبار المعلومات المتوفرة حتى تاريخ كتابة هذا النص، والتطورات المستمرة على الأرض قد تغير من هذه التوقعات.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة